جسدت أفلام الخيال العلمي أكثر من مرة تطور «الروباتات» للدرجة التي تسمح لها بمحاربة الإنسان والانتصار عليه، وربما يعد مسلسل «West World» من أكثر المسلسلات التي ناقشت تلك الفكرة بصورة عميقة ومُخيفة أيضًا، لذا فمع التطور الذي يحدث بالفعل على أرض الواقع في صناعة الروبوتات هل علينا أن نخشى أن يتحول الخيال إلى حقيقة؟ وإلى أي مدى يمكن للروبوت أن يكون عاقلًا، أو لديه بعض قدرات البشر الحيوية مثل التكاثر؟

أول منتج صناعي قادر على التكرار الذاتي

في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 نشرت ورقة بحثية بعنوان «Team builds first living robots—that can reproduce» أو «فريق علمي يبني أول روبوتات حية قادرة على التكاثر»؛ وقد يكون هذا العنوان الذي جرى تداوله صحافيًا مخيفًا للبعض، خاصة من لم يقرأ التفاصيل في الورقة البحثية، لكن الأمر ليس كما يبدو في عنوان الورقة البحثية؛ فهذا ليس روبوت على شكل رجل آلي في حجم الإنسان، وقادرًا على التكاثر بشكل عاقل من خلال ممارسة الجنس مع روبوت آخر: الأمر مختلف تمامًا.

حيوان الضفدع الأفريقي ذي المخالب

هذا الروبوت صغير جدًا ودقيق للغاية، ويبلغ طوله 0.04 بوصة، وأطلق عليه العلماء اسم «xenobots»، أو «زينوبوتس»، وهو نوع من أنواع الخلايا الحية مدعومة بتركيبات صناعية، لها القدرة على التكاثر وتجديد نفسها، وهو ما أكده مؤلفو الورقة البحثية، موضحين أنهم اكتشفوا نوعًا جديدًا من التكاثر البيولوجي يختلف عن أنواع أخرى تحدث على مستوى النباتات أو الحيوانات.

وبدأ العلماء العمل على صناعة تلك الروبوتات للمرة الأولى مع بداية عام 2020، حين قاموا بتجميع بعض الخلايا الجذعية من قلب وجلد ضفدع أفريقي، ومزج تلك الخلايا الجذعية بتركيبات أخرى جرت طباعتها بطابعة ثلاثة الأبعاد بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي، وأكدوا أن هذا النوع من الروبوتات القادرة على التكرار الذاتي تعتبر أول منتجات صناعية من نوعها على الإطلاق.

الروبوتات.. جنود صغيرة في صفوف الطب التجديدي

تلك الروبوتات الصغيرة يمكنها التحرك بشكل منفرد لعدة أيام قد تصل إلى أسبوع كامل، وقد وصف العلماء تلك الروبوتات بأنها «إنجاز علمي ضخم في المجال الطبي»، وذلك لأنها قادرة على التحلل بشكل طبيعي دون أن تترك وراءها شظايا بلاستيكية، أو معدنية، قد تؤثر سلبيًا على جسد الإنسان، ولكن ما علاقة جسد الإنسان بتلك الروبوتات؟

يمكنك أن تتخيل تلك الروبوتات على أنها جنود صغيرة للغاية يمكن إطلاقها في جسد الإنسان لتحل بعض المشكلات الصحية التي يعاني منها، مثل تفتيت وهضم المواد السامة الموجودة في مواقع الإصابة بالتلوث داخل الجسم، أو إزالة الجلطات الدموية من داخل شرايين البشر، كما يمكن أن تساعد الطب في علاج الإصابات المؤلمة والعيوب الخلقية، وربما أيضًا السرطان والشيخوخة، وكل هذا يمكن تحقيقه في حالة برمجة تلك الروبوتات الصغيرة على مهمتها قبل إطلاقها في جسم الإنسان، ولكن هناك بعض العقبات لم تزل تقف أمام تنفيذ تلك الخطة.

في تلك الصورة نرى الشكل الأحمر وهو الروبوت الذي طبعه الذكاء الاصطناعي ثلاثي الأبعاد، وبجواره كرة خضراء تحتوي على الخلايا الجذعية المستمدة من الضفدع الأفريقي. مصدر الصورة موقع هارفارد

ويؤكد مبتكرو هذه الروبوتات أنه رغم صناعتهم لها، ليس لدية القدرة الكاملة على التنبؤ بتصرفاتها أو التحكم فيها، ولذلك فأمام العلم الكثير من البحث والدراسة حتى يطوّع تلك الروبوتات الصغيرة، ويتحكم في تصرفاتها، ولكن إذا حدث ذلك فقد تكون نقلة حقيقية في مجال الطب التجديدي.

والطب التجديدي هو فرع من فروع الأبحاث الطبية، والتي من شأنها دراسة هندسة الأنسجة، وعلم الأحياء الجزيئي، بغرض تجديد خلايا وأنسجة وأعضاء البشر، وعلاجها، والهدف الأساسي من هذا النوع من الأبحاث هو تعزيز وتنشيط قدرة آليات الإصلاح الذاتية للجسم؛ وهذا من خلال تنمية الأنسجة والأعضاء في المختبر، كما حدث في حالة هذه الروبوتات، وزرعها بأمان في الجسم البشري حينما لا يكون قادرًا على شفاء نفسه.

وفي هذه الحالة قد تُحل المشكلات الخاصة بنقص الأعضاء البشرية المتاحة للتبرع، والمشكلات التي قد يواجهها المريض بعد الزرع عندما يرفض جسمه العضو المزروع، وهذا لأن جنود الطب التجديدي (الروبوتات الحية) تلك ستعتمد في الأساس على أن تستمد الخلايا المستجدة من أنسجة وخلايا المريض نفسه.

وقد صرح العالم دوجلاس بلاكيستون المؤلف المشارك في الدراسة لشكلة «إن بي آر» بأن الأمر أشبه بالمكعبات، (أي أن الخلايا تعمل على تكوين الأجزاء المفقودة كأنها مكعبات تكمل بعض البعض)، أو «الليجوز»، فتلك الروبوتات الصغيرة يمكن إطلاقها في جسم الإنسان بعد برمجتها لتقوم باستكمال وبناء الخلايا والأنسجة المفقودة في الجسم، مؤكدًا أنه إذا نجح العلماء في برمجة تلك الروبوتات لتعمل بهذا الشكل فقد تكون لها القدرة على شفاء البشر من السرطان.

مقطع المصور يشرح بالصور مثال المكعبات

وتتحرك تلك الروبوتات الصغيرة من خلال دفع نفسها باستخدام هياكل صغيرة تشبه الشعر، ويطلق عليها العلماء اسم «أهداب»، تساعدها في التقدم للأمام والدوران في شكل لولبي، كما أن الأهداب لديها القدرة على جمع أكوام صغيرة من الخلايا لتضمها إلى الروبوت، وفي هذه الحالة تكون الأشياء المُجمعة هي الخلايا والأنسجة الأصلية في جسم الإنسان المُراد علاجه.

مزيج ما بين الرجل الآلي والكائن الحي الدقيق

على الرغم من معرفة العلم بالأشكال المختلفة للتكاثر الجنسي واللاجنسي في علم الأحياء، فإن ما يجعل تلك الروبوتات مميزة هي قدرتها على «الاستنساخ الذاتي الحركي» كما أطلق عليه مايكل ليفين أستاذ علم الأحياء بجامعة تافتس وعضو هيئة التدريس المشارك في معهد ويس والمشارك في صناعة تلك الروبوتات، في تصريح لشبكة «إن بي أر» ، كما قال «نحن – علماء الأحياء – لسنا على علم بأي كائن حي يتكاثر أو يكرر نفسه بالطريقة التي يقوم بها الروبوت الحي الذي صنعناه»

وجدير بالذكر أن تلك الروبوتات ليس لها دماغ أو جهاز هضمي، بمعنى أنها لا تندرج تحت بند الكائنات الحية، ولكن لكون الروبرتات الجديدة قادرة على التكاثر، كما أنها قابلة للبرمجة حتى لو لم يكتشف العلماء كيفية الأمر حتى الآن، فإنه يطلق عليها روبوتات عضوية، أو روبرتات حية صغيرة، لذا يقول ليفين: «إنها مزيج ما بين الرجل الآلي والكائن الحي الدقيق».

في المقابل ورغم الوعود الطبية التي يجسدها هذا الروبوت، فإن هناك البعض الذين لديهم معضلة أخلاقية حول الأمر، ومنهم نيتا فاراهاني، أستاذة القانون والفلسفة بجامعة ديوك، التي أعرب عن مخاوفها في تصريح لمجلة «سميثسونيان»، محذرة العلماء أنهم في طريق بحثهم عن أفضل طريقة لاستغلال العلم وتسخيره لإفادة الإنسان، عليهم أن يضعوا في الاعتبار الأمور التي قد تمضي بشكل سيئ في تلك الأثناء.

إذ إن العلماء القائمين على هذه الصناعة يؤكدون أن تلك الروبوتات قد تتحرك بإدراتها وتتكاثر ذاتيًا، ولكن هذا بعد أن يمدها البشر بخلايا جذعية حية، ولذلك فهي ليست قادرة على الهروب من المختبر والتكاثر دون مساعدة أولية، لذا فالمعضلة الأخلاقية تبدأ وفقًا لعالم الأخلاق الطبية توماس دوجلاس، عندما تتضمن تلك الروبوتات نسيجًا عصبيًا قادرًا على تطوير نوع من الحياة العاقلة مثل الشعور بالألم.

في المحصلة لم تزل تلك الروبوتات حديثة العهد على العلماء، وكما وصفها مؤلفو الورقة البحثية؛ فهي «منصة جديدة للتعلم»، وأمام البشر الكثير من الدراسات والأبحاث حتى يمكنهم تطويع تلك الروبوتات لخدمة الطب التجديدي، وربما أيضًا تحدث تلك البرمجة سريعًا، ونرى يوميًا جنودًا صغيرة من الروبوتات الحياة تنطلق في جسم الإنسان لتعالجه من أمراض عجز الطب سنوات طويلة عن علاجها.

المصادر

تحميل المزيد