منذ الحادي والعشرون من أيلول/سبتمبر الماضي وتحديدًا بعد سقوط العاصمة اليمنية صنعاء في يد الحوثيين واليمن بمدنه وقراه وأحيائه وأزقته يعيش حالة من الانفلات السياسي والأمني، وسط جمود في الحلول الدبلوماسية لإنهاء الأزمة المتفاقمة قبل بضع سنوات.
وبالتزامن مع صعوبة الأوضاع الجارية في البلاد تستعد جل محافظات جنوب اليمن بدعوى من قبل فصائل “الحراك الجنوبي” لإحياء الذكرى الـ 51 لثورة 14 أكتوبر 1963، بتظاهرة في مدينة عدن، في إطار ما أطلقوا عليه “مليونية الحسم”، يوم غد الثلاثاء.
ويرى محللون سياسيون أن هذه المليونية تأتي في سياق استمرار ما يعرفه الجنوبيون بـ “ثورة شعب الجنوب السلمية”، وبطريقة تخدم الوصول إلى تحقيق هدفهم المنشود، وهي عودة اليمن إلى ما كان عليه، ولفظ كل التدخلات الخارجية لشؤونه الداخلية، كما قالوا.
فك الارتباط

يمنيون يعتلون ميركافاه بعد الاشتباكات التي دارت بين الجيش والحوثيين
والجدير ذكره أن ثورة الرابع عشر من أكتوبر عام 1963، انطلقت في المناطق الجنوبية من اليمن ضد الاستعمار البريطاني الطامع بخيرات اليمن وأهله، وبدأت من جبال ردفان بقيادة راجح بن غالب لبوزة، والذي استشهد مع مغيب شمس يوم الثورة، حيث شنت قوات الإنجليز حملات عسكرية واسعة ضد السكان بمختلف أنواع الأسلحة، تشرد على إثرها الآلاف من اليمنيين.
ومع ذلك، يصر الجنوبيون بضرورة فك الارتباط بين جنوب اليمن وشماله بعد وحدة اندماجية وقعها شريكا الوحدة علي عبد الله صالح وعلي سالم البيض في العام 1990 قبل أن يعلن الأخير الانفصال وتشهد اليمن حربًا أهلية انتهت بدخول قوات الرئيس صالح إلى المناطق الجنوبية وإعادتها مجددًا للوحدة بقوة عسكرية.
ومنذ فترة ليست بالقصيرة يعمل الحراك الوطني الجنوبي على تهيئة أبناء المحافظات الجنوبية لتقرير مصيرهم والتعبئة لإنجاح هذه التظاهرات على أن يتم بعدها إعلان دولة جنوب اليمن في يوم 30 نوفمبر ذكرى خروج آخر جندي بريطاني من الجنوب.
انتهاكات بالجملة

قلعة الكورنيش بالحديدة التي سيطر عليها الحوثيون لساعات
ميدانيًا، فلا يزال العنف والتخبط سيد الموقف في اليمن من قبل جماعة “أنصار الله” الحوثيين، والذين يحاولون السيطرة على محافظة الحديدة والوصول لمضيق باب المندب حيث تمر سفن النفط، لكن الرفض الشعبي والثأر العشائري كانا لهم بالمرصاد، وسط استبعاد نشطاء سقوط ميناء الحديدة بيد الحوثيين ما لم تحدث مؤامرة (على غرار ما حصل بصنعاء في سبتمبر الماضي).
ويقول الصحفي اليمني عبد الحفيظ الحطامي: “إن الحوثيين بدؤوا منذ قرابة نصف شهر بالانتشار والحضور المكثف في مدينة الحديدة وهم يتجولون داخلها بسيارات لا تحمل أرقامًا في الغالب”، لافتًا إلى أن الحوثيين يكثفون تواصلهم مع قيادات عسكرية ومدنية في الدولة من بينها مدير الميناء وقادة ألوية عسكرية، في محاولة لإقناعهم بعدم مواجهتهم وتسليم المدينة لهم.
لكن الحطامي أوضح أن هناك رفضًا من قبل الأوساط الشعبية والثورية بمختلف توجهاتها لوجود الحوثيين أو سقوط المدينة بأيديهم، منوهًا إلى أن جزءًا من الحراك التهامي المؤيد للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح أصبح ضد الحوثيين.
على أرض الواقع، واستمرارًا لرصد الانتهاكات الجارية كشف تقرير أولي صادر عن مركز “صنعاء للإعلام الحقوقي” عن ما أسماه “جرائم نهب واقتحام واسعة ارتكبتها جماعة الحوثيين في العاصمة صنعاء” شملت مؤسسات حكومية مدنية وعسكرية ومنظمات مجتمع مدني ومؤسسات إعلامية بالإضافة لمساجد ومنازل سكنية ومؤسسات طبية وتعليمية ومقار حزبية.
ومنذ سقوط العاصمة صنعاء تزايدت شكاوى الأفراد والمؤسسات من اقتحامات الحوثيين مع استمرار توغلهم داخل شوارع وأحياء المدينة ونشر المزيد من المسلحين في معظم التقاطعات لتحل محل الأجهزة الأمنية والعسكرية المغيبة تمامًا عن المشهد الراهن.
ويذكر معدو التقرير أنهم اعتمدوا على فريق حقوقي وإعلامي محايد زار مناطق المواجهات ورصد جملة انتهاكات وجرائم ارتكبت بحق مدنيين أبرياء تم تأكيدها عبر استمارات وكشوفات لمنظمات حقوقية مشاركة بينها (هود، رقيب، وثاق، سواسية، مساواة).
وقد استند الفريق إلى أقوال وشهادات مصورة من سكان الأحياء والمناطق التي احتدم فيها القتال شمالي وغربي العاصمة صنعاء ومنها (قرية القابل، وحي شملان، وحي مذبح، وشارع الثلاثين، وحي النهضة، وحي صوفان، وحي الأندلس، وحي الأعناب).
ونوه التقرير إلى اقتحام ما لا يقل عن 15 مؤسسة حكومية عسكرية أبرزها القيادة العامة للقوات المسلحة ووزارة الدفاع وهيئة الأركان العامة وقيادة قوات الدفاع الجوي ومعسكرات أخرى، فضلًا عن اقتحام ونهب 13 مؤسسة حكومية مدنية أهمها مجلس رئاسة الوزراء ومجلسا النواب والشورى والبنك المركزي ومطار صنعاء الدولي.
ويواصل مسلحو الحوثي اقتحام المساجد في صنعاء خاصة الكبيرة منها، ورصدت المنظمة اقتحام ما لا يقل عن 35 مسجدًا منها مسجد ذو النورين أحد أكبر مساجد العاصمة حيث تم فرض إمام وخطيب للمسجد من جماعة الحوثيين، بالإضافة لاقتحام عدد من مراكز تحفيظ القرآن الكريم ونهب محتوياتها بحجة البحث عن أسلحة وأنها تتبع “التكفيريين”.