تنتشر الزوايا بالمغرب العربي بشكل كبير جدًا وبالجزائر والمغرب وموريتانيا بشكل خاص وحتى بليبيا والنيجر والتشاد ومالي والسنغال وبوركينافاسو ونيجيريا، وتؤدي أدوار ووظائف دينية واجتماعية شتى إلا ان سمعتها في الجزائر بدأت تتجه نحو السلبية في الوقت الحالي بين أطياف المجتمع، حيث أصبحت وكرًا للدروشة والجهل وممارسة الطقوس الغريبة والبدع وتحويلها الى فضاءات للضغط الاجتماعي من قبل السلطات السياسية والدعم بالحملات الانتخابية كغيرها من لجان مساندة رئيس الجمهورية.
ومن خلال هذا التقرير سنتعرف على الدور الاجتماعي والديني والسياسي للزوايا، كما سنعرج على الصراع الدائر بين الجزائر والمغرب للسيطرة على الزوايا والطرقية والصوفية بمنطقة شمال افريقيا والساحل. بالإضافة الى ما هي الزاوية في أدبيات الجزائريين؟ وهل لها علاقة بالسياسة وصناعة القرار في الجزائر؟
ظهور الزاوية ودورها التاريخي بالجزائر
لقد ظهرت الزوايا مع ظهور الطرق الصوفية سواء بالمشرق او المغرب العربي، ولعبت الزوايا دورا كبيرا في تاريخ البلاد الإسلامية عامة وتاريخ البلاد المسلمة في افريقيا بشكل خاص، فكان انتشارها لسد حاجة ضرورية للفرد والجماعة لم تقم بها المؤسسات في ذلك الوقت أي قبل القرن الرابع عشر ميلادي وكان اول من نادى بها الشيخ عبد القادر الجيلاني في بغداد، حيث أسس الطريقة القادرية وتعتبر اول طريقة صوفية في العالم الإسلامي. وتزامن ظهور الطريقة “القادرية” بروز الطريقة “المدينية” الي تأسست على يد الشيخ ابي مدين شعيب بمدينة بجاية في القرن الرابع عشر ميلادي وتوسعت أكثر على يد تلميذه عبد السلام واتباعه في انحاء العالم.
ولعبت الزوايا بالجزائر أدوارًا عديدة في التاريخ القديم والحديث، حيث كانت عبارة عن معاهد للعلم والتثقيف الديني ومراكز للجهاد ورد المحتلين، كما ساهمت بشكل كبير في الحفاظ على الهوية العربية والإسلامية للمجتمع الجزائري عندما اشتد الاستعمار الفرنسي على الأرض الجزائرية، وفي هذا الإطار قال الباحث الفرنسي جان كلود فاتن “
إن الزوايا في الجزائر كانت تشكل أقطابا للمقاومة وخلايا للرفض ومواطن للانتفاضة المسلحة” ويضيف الباحث ايفون تيران ” تعتبر الزوايا مسؤولـة عن انتفاضـة 1871 حسب ملخصات من مذكرة الجنرال فيولا شارون المؤرخة في 29 جوان
1849“.
فزوايا الإصلاح والصلاح كانت معاقل للرفض ومواطن إنعاش وإيقاظ ديني وثقافي وسياسي، خاصة عند اشتداد أزمات الاحتلال والاستعمار الأوربي المفروض على المنطقة، حيث واصلت تعليمها القرآني وتدريس اللغة العربية بفضاءاتها، الا انه بالجزائر عرفت صراع عميق وصدام مع حركات الإصلاح الديني والسياسي والثقافي ابان الحركة الوطنية حيث حاربها الامام عبد الحميد بن باديس لاعتقاده بان الزاوية تنشر الخرافات على حساب العقيدة الصحيحة للمسلمين، وتهادن الاستعمار الفرنسي ولا تنشئ مواطنا جزائريا ثوريا. ولذلك لا نجد الزوايا منتشرة بالشرق الجزائري الذي كان تحت سيطرة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في ذلك الوقت.
وترتبط الزوايا حديثًا بالطرق الصوفية التي تصل وحدها في الجزائر الى أكثر من ثلاثين طريقة أهمها الرحمانية، التيجانية، القادرية، العلوية وبدرجة اقل السنوسية، وهذه الطرق تفرعت منها طرق ومدارس أخرى وزوايا متعددة عبر انحاء العالم في اسيا وأوروبا وافريقيا وحتى بأمريكا. وتطلق تسمية الرباطات على الزوايا بالمشرق العربي وهو أصل التسمية منذ بدايتها وظهورها وانتشرت أكثر خلال الفترة العثمانية وساهمت في فتح عدة مدن جزائرية وتحريرها من الاسبان والبرتغاليين.
الزوايا بين مدرسة للدروشة وجهاز للمساندة..!
تلعب الزوايا بالجزائر أكثر من دور في الوقت الحالي، ويعود هذا لاختلافها من منطقة لأخرى فالزوايا بالغرب الجزائري ليس هي نفسها الزوايا التي تجدها في مناطق الصحراء خاصة ولاية “ادرار” المعروفة بالانتشار الكبير لها، وسبق ان اعتكف عبد العزيز بوتفليقة قبل الانتخابات الرئاسية لسنة 1999 بأحد الزوايا بهذه الولاية الصحراوية، ويقال انه مكث اسبوعًا بعد وصية له من شيخ زاوية بمدينة “ندرومة” الواقعة بولاية “تلمسان” (الولاية التي ينحدر منها الرئيس بوتفليقة).
وتؤدي زوايا الغرب الجزائري وبمنطقة القبائل دورًا علميا بحتا بتدريس القران الكريم ومختلف العلوم الشرعية وتكوين الأئمة والاطارات الدينية للمجتمع الجزائري، وتكتفي بهذا الدور المنعزل مقارنة ببقية المناطق، في حين تؤدي الزوايا بالصحراء الجزائرية ادوارا أكثر من ذلك، حيث لها وزن سياسي واجتماعي لا يملكه حتى صاحب القرار او السلطة الأولى بتلك المنطقة لنفوذهم وتأثيرهم الدعوي والاجتماعي، ويذكر ان والي ادرار اقيل مؤخرا بسبب خطأ عملي، قام مجموعة من مشايخ الزوايا بإعادته الى منصبه في ولاية أخرى، كما ساهمت حملتهم ضد الوزير عمار بن يونس بإقالة هذا الأخير على خلفية تعليمة ترخيص بيع الخمور لدى تجار التجزئة، حسب وسائل الاعلام الجزائرية.
وتساهم الزوايا بشكل كبير جدا في الحملات الانتخابية خاصة الرئاسية منها، واعتاد الجزائريون على مشاهدة الرئيس بوتفليقة في حملاته الثلاث السابقة اصطحابه لمشايخ الزوايا في التجمعات الشعبية، وكذلك فعلها الوزير عمار غول في الحملة الأخيرة للرئيس بوتفليقة في افريل 2014، وتركز وسائل الاعلام الحكومية على تصريحاتهم التي تزكي مرشح السلطة. وتعتبر السلطات الجزائرية مشايخ الزوايا أحد الاعيان والشخصيات الواجب التحكم فيهم للحفاظ على التوازن والسيطرة على المجتمع، ولم يفوت رئيس البلاد بوتفليقة حضور جنازة العالم الكبير “محمد بلكبير” الذي توفي سنة 2000 وعرفت الجنازة حضور الالاف من المسلمين ومن تلامذته.
ويقول صهيب قمرة الخطيب والمطلع على شؤون الزوايا بالجزائر، أنه يوجد نوع اخر من الزوايا بالإضافة الى العلمية، وهي الزوايا الصوفية والتي تحوي اضرحة لعلمائها ومشايخها بنفس مكان الزاوية او المسجد، وهي متركزة أكثر بالغرب والجنوب الجزائري، على خلاف الشرق الجزائري ومنطقة القبائل نظرا لجهود وكفاح جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في وقت مضى.
ويضيف صهيب قمرة ان هذه الاضرحة لا زالت لحد الان تجذب طبقة واسعة من المجتمع الجزائري بما فيها الشباب والمشاركة في فعالياتها والطقوس الخاصة بها مثل ((الوعدة)) والتي تتميز بالطابع الاجتماعي ((الصدقة))، كما تتلقى هذه الطقوس تشجيع من كبار المسؤولين في الدولة الجزائرية مثل الوزير السابق للشؤون الدينية عبد الله غلام الله الذي لم ولا يتخلف عن أي دعوة لمثل هذه الوعدات (كما يسميها سكان الغرب الجزائري)، ويحضر لمثل هذه الطقوس وفود رسمية في الدولة الجزائرية من سلطات وشخصيات وأحزاب، وتقام بعضها في أيام تصل للأسبوع.
ويحذر صهيب قمرة من تحويل دور الزوايا الحقيقي التي خرجت أمثال مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الأمير عبد القادر والذي يعتبر أحد أبناء الطريقة القادرية، والشيخ الثوري بوعمامة ابن الزاوية الصوفية، والشيخ السنوسي مؤسس الطريقة السنوسية بليبيا حيث كان مجاهدا ويدرب المجاهدين في الحدود الجزائرية الليبية لإرسالهم الى الجزائر في محنتها مع الاحتلال الفرنسي. ويقول صهيب ان بعد اخماد الثورات بمختلف المناطق نهاية القران التاسع عشر وبداية القرن الماضي تم تدجين اغلب الزوايا الصوفية وتحويلها الى وسائل في يد الاحتلال الفرنسي، وهذا ما يحدث كذلك حاليًا حيث تحولت من مراكز مجتمعية للتثقيف والتدريس الشرعي الى وسائل للتهريج وممارسة الطقوس والبدع المنافية لما جاء به الإسلام.
ومعلوم ان وزارة الشؤون الدينية تدعم وتستعمل الزوايا كذلك لتثبيت المرجعية الدينية لها والمتمثلة في المذهب المالكي والعقيدة الاشعرية والطريقة الصوفية، وهذا لمواجهة التيارات الإسلامية الأخرى القادمة من الشرق مثل السلفية او الاخوانية او الشيعية، وبشكل أساسي الوهابية التي تعتبرها الطريقة الصوفية المنافس او العدو. كما تعرف الزوايا تراجعا في أداء دورها التعليمي في الآونة الأخيرة عما كان عليه في القرن الماضي او حتى بالعشرية الأخيرة، ويعود هذا التراجع لتضاؤل اقبال الطلبة عليها وانتشار سمعة سيئة على هذه الفضاءات، خاصة مع انتشار اخبار اغتصاب وفضائح أخلاقية لمشايخ زوايا على طلبتهم بالجملة في وسائل الاعلام الجزائرية.
الجزائر والمغرب تعاون تاريخي وصراع نفوذ..
أدت الزيارة التي قادت الملك المغربي محمد السادس الى عدة دول افريقية الى الانطلاق لإنشاء معهد لتكوين الائمة والمرشدين والمرشدات وتم الإعلان عنه في ماي 2014، ويأتي هذا المعهد كما قالت السلطات المغربية لتثبيت الهوية الإسلامية الوسطية للمغرب ومحاربة الفكر المتطرف والتشدد الذي ينتشر بمنطقة الساحل وغرب افريقيا، كما يعتبره المغاربة شراكة حقيقية واداة تأثير لصالح المغرب لما يملكه الامام او الرجل الديني ببيئة هذه الدول الافريقية، وجاء استجابة لطلبات هذه الدول في تكوين الائمة والوعاظ الدينيين المنتمين لهذه البلدان.
ولا تعتبر المغرب هي الدولة الأولى في هذا الشأن، فقد أعلنت الجزائر أواخر عام 2013 عن تخرج 300 امام افريقي لمواجهة التطرف بدول الساحل، وهو ما يعني ان مبادرة الملك محمد السادس هي ردة فعل على ما قامت به الجزائر، واكد وزير الشؤون الدينية والاوقاف الجزائري في ذلك الوقت بوعبد الله غلام الله ان الجزائر لها كل الإمكانيات لاستقبال عدد أكبر من الطلبة الأفارقة، وكانت السلطات الجزائرية قد ساهمت في انشاء رابطة علماء الساحل والتي ضمت علماء من الجزائر والنيجر ومالي وبوركينافاسو والتشاد وموريتانيا بعد سيطرة مجموعات متشددة على مناطق بمالي والنيجر والتشاد وليبيا.
وانتقال هذا الصراع بين الجزائر والمغرب حول السيطرة على المرجعية الدينية المشتركة ومن يسوق لها، يعود الى حرب الرمال سنة 1963 حيث برزت العداوة بين النظامين وسنة 1975 مع قضية الصحراء الغربية، واخيرا مع اغلاق الحدود بين البلدين الجارين في افريل 1994 حيث تضررت بشكل كبير جدًا الزوايا التي كانت تنسق وتشترك في الكثير من الاعمال وتتيح تنقل التلاميذ طلبا للعلم على يد مشايخهم في كل مكان، مثلما هو الحال بين زوايا الجنوب الجزائري مع موريتانيا ومالي، التي تمتد الى نواكشوط وغاو وتمبكتو بمالي.
فالعلاقة بين الزوايا الجزائرية والمغربية تعود الى قرون مثلما صرح الأستاذ عبد الحفيظ مومني بالجامعة الإسلامية بقسنطينة لصحيفة الخبر “ترتبط الزوايا في الجزائر والمغرب بعلاقات يعود تاريخها الى قرون، الا ان قرار غلق الحدود والعلاقات المتوترة بين البلدين منذ حرب الرمال، قلصا التعاون بين الزوايا في الجزائر والمغرب“.
وفي نفس الصحيفة، يقول الشيخ برهان محمد “
كنا في الستينيات من القرن الماضي لا نستطيع التفريق بين المغربي والجزائري في حلقات الذكر، بل إن أغلب من يحضر في الزوايا كانوا مغاربة، لكن الوضع تغيّر بعد السبعينيات، حيث انقطع الاتصال مع المغاربة“. وترتبط اليوم الزوايا في أدرار بعلاقة كبيرة جدا مع الزاوية الطاهرية بمراكش في المغرب بحكم أن هذه الزاوية أسّسها الشيخ مولاي طاهري، وهو من توات بأدرار، ويشرف عليها حاليا الشيخ مولاي عبد المعطي، وهو أخ مؤسس زاوية قصر تسفاوت الشيخ مولاي أحمد طاهري.
الزوايا امام مستقبل مهدد وغامض
لقد أدت العوامل السياسية والاجتماعية والتحولات التاريخية التي مرت بها مجتمعات المغرب العربي والساحل الافريقي الى التأثير على وظيفة ودور الزوايا بشكل واسع، إلا انها لا زالت تحافظ على مكانتها المجتمعية في العديد من الدول الافريقية، وحتى بالجزائر والمغرب (من قبل النظام السياسي) -بدرجة اقل ونسبيا- رغم الصورة السوداء التي بدأ يشعر بها المجتمع تجاهها، حيث المبالغة في تقديس الشيخ وانتشار الاضرحة وممارسة الطقوس الغريبة وإقامة المآتم الجماعية.
ويمكن لتطور الوسائل والانتقال من التعليم المسجدي الى المدرسي العصري أثر بشكل واضح كذلك على دور ووظيفة الزاوية والمسجد بشكل عام، حيث أصبحت الزاوية تقتصر على البادية او الريف والمناطق المعزولة، وان كانت بالمدينة يقبل عليها طلبة من المناطق المحافظة والعائلات الفقيرة. ويصف الكثيرون مشايخ الزوايا بمشايخ الخرافة والدروشة، ومستوى التعليم بها متدهور ولا يرقى للعصر الحالي.
في حين ان الزوايا سابقا في الجزائر، انجبت رجال ونساء عرفوا بالمقاومة والتصدي للاحتلال الفرنسي ولعل اهمهم الأمير عبد القادر والشيخ بوعمامة ولالة فاطمة نسومر والشيخ امزيان بن علي الحداد الذي جند 15000 مجاهد في يوم واحد في ثورة 1871. وامام القائمين على الشؤون الدينية اما تجديد وظيفة الزوايا وتطويرها وعصرنه فضاءاتها او افول تواجدها في المستقبل الذي أصبح فيه الجيل الحالي لا يؤمن بالتراث والتقليد في كل مناحي الحياة.
ولعل الاحداث التي جرت مؤخرا بالجنوب الجزائري، مثل غرداية وعين صالح وورقلة وجانت دليل على انفلات المسؤولية من مشايخ الزوايا وعدم تحكمهم في المجتمع المحلي والشباب الثائر على قرارات السلطة وتعسفاتها، كما كانت عليه العادة سابقا، فشباب اليوم لم يعد يؤمن بالمشيخة والوصاية القبلية او الرمزية للأعيان وهو ما يهدد مكانة الزوايا الدعوية والاجتماعية التي لا زالت تهمشها السلطة وتستغلها فقط في الحملات الانتخابية والقرارات العليا من الحكومة.
اقرأ أيضًا:
الجزائر .. هل ستؤدي أحداث الجنوب إلى مشروع صراع؟!
بعد أحداث ولاية غرداية بالجزائر.. ماذا تعرف عن العقيدة الإباضية؟