نحن الآن في عام 122هـ، وبالتحديد في نهاية اليوم الثاني من شهر صفر من ذلك العام. لم يتصور أشد محبي آل بيت الرسول محمد، تشاؤمًا، أن يتعرض هذا البيت الكريم لفاجعةٍ كربلائيةٍ جديدة، بعد بضعة عقود من قتل الحسين بن علي، وأن تأتيَ الفاجعة الجديدة على شاكلة السيناريو القديم تقريبًا، وتقترفها أيضًا أيدي أمراء الدولة الأموية التي ما انفكَّت تعُد آل البيت مكمن الخطر الرئيس على عرشهم، لا سيَّما مع الشعبية الجارفة لأحفاد الرسول محمد، لدى عموم المسلمين.
في ذلك اليوم، كانت أرض العراق التي لم تروِ ظمأها الشَّرِه من دماء نسل الرسول، على موعدٍ مع صريعٍ جديد من هذا البيت، اجتمع عليه الطغيان، والخذلان. إذ لم يكتفِ الأمويون هذه المرة بقتل ثائر أهل البيت زيد بن علي بن الحسين، حفيد الحسين بن علي، إنما أكملوا انتقامهم من جثته، فصلبوها شهورًا طِوالًا، قدَّرتها بعض المصادر بحوالي أربع سنين.
مثَّلت تلك الواقعة إحدى حلقات الصراع الطويل بين آل البيت، وخصومهم الأمويين، الذين كان جلُّ أهل البيت النبوي يرون أنهم جنوْا عليهم جناية مضاعفة، وذلك عندما انتزعوا منهم الخلافة التي كان آل البيت يروْن أنفسهم الأحق بها؛ لقرابتهم من الرسول.
آل البيت بين كربلاءيْن
لم ينسَ آل البيت على اختلاف مشاربهم خصومَتَهُم مع الأمويين، وثأرَهم لفاجعة كربلاء عام 61هـ، وما تلاها من محن تعرَّض لها هذا البيت الكريم، وإن تباينت الطرائق في كيفية المواجهة وتوقيتها وأشكالها.
ويمكن تقسيم مسارات آل البيت في مواجهة الأمويين إلى ثلاثة مساراتٍ رئيسة. الأول كان المواجهة المباشرة بالعصيان، والخروج المسلح، ما توفر الحد الأدنى من القوة البشرية والمادية، وكان أبرز أمثلة هذا بالطبع الحسيْن بن علي، وحفيده زيد بن علي بطل جولتنا الحالية.
أما المسار الثاني، فكان يعد الخروج المسلح ضد الأمويين إهدارًا للدماء والأموال دون طائل، ويكتفي بالمواجهة غير المباشرة بالعلم والدعوة، ويلتزم أسلوب التقية الشهير، وكان من أهم أمثلة هذا التيار، الإمام جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين.
برأ الله ممن تبرأ منه. كان والله أقرأَنا لكتاب الله، وأفقهَنا في دين الله، وأوصلَنا للرحم، ما تَرَكَنا وفينا مثله. *الإمام جعفر الصادق متحدثًا عن عمه زيد بن علي.
أما التيار الثالث من أهل البيت، فهو الذي نجح آخر المطاف في اقتلاع الأمويين بالثورة العباسية الشهيرة، التي قضت على دولة الأمويين عام 132هـ، بعد أكثر من 30 عامًا من الدعوة السرية شديدة الحذر، والتي اتسمت بالمكر الشديد، وركزت جهودها على منطقة خراسان أقصى شرق الدولة، حيث معقل الفُرس الذين عانوا من اضطهاد الأمويين حتى بعد دخول الكثيرين منهم في الإسلام.
ولذا فقد انضمَّ الآلاف منهم للثورة العباسية المسلحة، والتي كان الجُند الخراساني هم عمودها، ورأس حربتها معًا. وجدير بالذكر أن تلك الدعوة بدأت أولًا لمبايعة إمام من نسل علي بن أبي طالب، ثم انتقلت إلى الأئمة من نسل العباس بن عبد المطلب، أبناء عمومة العلويين. ولكن لهذا قصة أخرى.
على صراط الحسين
ولد زيد بن علي، على أرجح الأقوال عام 80هـ، وكان والده هو عالم آل البيت، والإمام الرابع لدى الشيعة الإثنى عشرية، علي زين العابدين بن الحسين. طلب زيد بن علي العلم منذ نعومة أظفاره على يد شيوخ التابعين في الحجاز، وشيوخ آل البيت، فذاع صيته عالمًا عاملًا، في الصدر من البيت النبوي الذي يكنُّ له الاحترام المسلمون كافة.
لكن زيدًا بن علي كان أكثر آل البيت شبهًا بجده الحسين في الميل إلى الجهر بالحق، والصدوع به، دون الالتفات كثيرًا إلى الثمن الباهظ لذلك. ولم يكن يؤمن بمبدأ التقيَّة الذي أخذ به بعض آل البيت المعاصرين له – وأصبح من أبرز الأصول لدى عموم الشيعة في الأزمنة اللاحقة – تحت وطأة يد القمع الباطشة.
ومما زاد في حنق زيد بن علي وتحفزه، مع الكثيرين من آل البيت ضد الأمويين؛ أن ولاة الأمويين لم يكفوا عن مضايقة آل البيت وأنصارهم، لا سيَّما في الحجاز والعراق، وكانوا يصرُّون على سب الإمام علي بن أبي طالب على المنابر، والانتقاص منه، ومن آل بيته، وإن توقفت تلك الممارسات مؤقتًا في عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز.
تواجه زيد بن علي غيرَ مرة مع خالد بن عبد الله القسري، عندما ولَّاه الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك ولاية الحجاز، إذ كان خالد صارمًا قاسيًا، يشبه في قبضته الحديدية الوالي الأشهر للأمويين الحجَّاج الثقفي. وحاول زيد أولًا استخدام أرفق الوسائل في محاولة عزل خالد القسري عن ولاية الحجاز، والتخلص من مضايقاته لآل البيت وغيرهم، ومحاولاته المستمرة لإشعال العداوات بينهم لئلَّا يجتمعوا في أمرٍ أبدًا، فوفد زيد إلى هشام بن عبد الملك في دمشق، وراسله غير مرة، وطلب منه عزل القسري، لكن المحاولة لم تنجح.
ومما أشعل غضب زيد ضد هشام بن عبد الملك، أن الأخير أرسل إليه يطلبه من الحجاز إلى الشام لأمرٍ جلل عام 121هـ، فلمَّا دخل عليه، أمر بإرساله إلى العراق إلى والي الأمويين هناك، يوسف بن عمر الثقفي، والذي لم يكن يجمع بينه وبين الحجاج النسب إلى ثقيفٍ فحسب، بل كان مستبدًّا في ولايته أيضًا، وكان آنذاك ينتقم من خصمه الوالي السابق للأمويين خالد بن عبد الله القسري، فادعى الأخير تحت التعذيب أن له أموالًا لدى زيد بن علي، وبعض آل البيت، وأنهم لم يردُّوها عليه.
أنكر زيد بن علي مزاعم خالد القسري، لكن هشامًا أصر أن يرسله إلى الكوفة لكي يحقق يوسف بن عمر في الأمر. اعتبر زيد أن الأمر برمَّته محاولة لإهانته ورموز أهل البيت، والانتقاص من شأنه، لا سيَّما وأن يوسف بن عمر كان خصمًا عتيدًا لأهل البيت، وقد يبطش بهم لأهون الأسباب. وهنا أنذر زيد بن علي هشامًا بأنه إن أصر على إرساله إلى العراق، فستكون تلك هي المرة الأخيرة التي يتقابلان فيها أحياء (كناية عن أنه قد يخرج ضد هشام بن عبد الملك).
خرج زيد بن علي من الشام إلى الكوفة، رغم تحذيرات بعض ذوي الرأي من آل البيت، الذين خافوا أن يدعوه أهل الكوفة إلى الخروج، عندما يعلمون بقدومه عليهم، ثم يتخلَّون عنه، ويتكرر ما حدث في كربلاء قبل 60 عامًا. لكن الغضب كان قد بلغ مداه لدى زيد ضد الأمويين، وانطلق سهم الخروج داخل نفسه من منزعِه.
وصل زيدٌ إلى الكوفة خُفية، وكمن في بيوت بعض أنصاره بها، ولم يفِد بالطبع على واليها يوسف بن عمر كما أمره هشام بن عبد الملك. ثم أخذ زيد يطلب البيعة لنفسه ضد الأمويين، وكان نص البيعة كما يلي:
إِنَّا نَدْعُوكُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَجِهَادِ الظَّالِمِينَ، وَالدَّفْعِ عَنِ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَإِعْطَاءِ الْمَحْرُومِينَ، وَقَسْمِ هَذَا الْفَيْءِ بَيْنَ أَهْلِهِ بِالسَّوَاءِ، وَرَدِّ الْمَظَالِمِ، وَنَصْرِ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَلَتُقَاتِلُنَّ عَدُوِّي، وَلَتَنْصَحُنَّ لِي فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ.
فبايعه الآلاف من أهل الكوفة، والذين قُدِّرَت أعدادهم بـ15 ألفًا، بينما تزعم مصادر أخرى أن العدد وصل إلى 40 ألف مبايعٍ لزيد على السيف. لكن رواياتٍ أخرى تذكر أن زيدًا لم يتخفَ، إنما قدم إلى الكوفة ليواجه يوسف بن عمر فعلًا، لكن شيوخ شيعة آل البيت في الكوفة أخذوا يحرضونه على الخروج على الأمويين، وأنهم يضمنون خروج جُلِّ أهل الكوفة والعراق معه، فصادف تحريضهم موقعًا في نفسه، فقبل دعوتهم، وأخذ يعتذر ليوسف بن عمر عن التأخر في الدخول عليه لمرضٍ ألمَّ به. لكن ما لبث يوسف بن عمر أن شكَّ في أمره، وأمَرَه بالخروج من الكوفة فورًا، فخرج إلى منطقةٍ قربها انتظارًا لوفود من بايعوه إليها.
إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَخْذُلُونِي وَتُسْلِمُونِي كَفِعْلِكُمْ بِأَبِي وَجَدِّي *زيد بن علي مخاطبًا من حرَّضوه على الخروج من أهل الكوفة وزعمائها
في ذلك الوقت، تكرَّر وفود بعض الناصحين من أهل البيت وسواهم إلى زيد بن علي يحذرونه من عواقب الخروج معتمدًا على وفاء أهل الكوفة الذين اشتهروا بتقلُّباتهم، وسبق أن تخلَّوْا عن نصرة جديْه علي بن أبي طالب، والحسين بن علي، واللذيْن كانا أفضل من زيدٍ في كل شيء. لكن تلك الجهود لم تنجح في ثنيْ زيدٍ عن الخروج، ومواجهة الأمويين.
مقطع يجسد تخلي غلاة الشيعة من أهل الكوفة عن زيد بن علي في ثورته، ويظهر بعض مناقبه:
في تلك الأثناء، أرسل والي العراق يوسف بن عمر الثقفي جندَه في كل مكان للقبض على زيد بن علي، مما دفع الأخير إلى الإسراع في خطط الخروج المسلح ضد الدولة. كانت الخطة تقضي بالخروج في الأول من صفر عام 122هـ، لكن يوسف بن عمر شدَّد الإجراءات الأمنية في كل بقعةٍ من الكوفة في تلك الليلة، وأمر بجمع جل شباب الكوفة ورجالها في المسجد الكبير وسوق الكوفة لإحصائهم، وحصارهم؛ لمنعهم من الخروج والالتحاق بزيد بن علي، والذي تمركز في جنوب العراق حينئذ منتظرًا وفود الثوار إليه.
وهكذا وجد زيد بن علي نفسَه في صحراءٍ مقفرة، وتحت إمرته 218 رجلًا فحسب، من بين الآلاف المؤلفة التي بايعَتْه، أو وعدت بالبيعة والنصرة، والذين استسلموا سريعًا ودون أدنى مقاومة أمام التحركات القمعية الاستثنائية التي فرضها يوسف الثقفي.
لم يستسلمْ زيد، وبدأ الهجوم فورًا بمن معه، فباغت مقدمة من جيش الشام الأموي قوامها 500 مقاتل، وهزمها. ثم أخذ يطوف على بعض المناطق القريبة من الكوفة والتي بايعه أهلُها، فلم يخرجوا للقائه حتى، فعرف أن التاريخ يعيد نفسَه، وأن نسائم كربلاء تخنق الجو من حوله.
ثم في بادرة شجاعة أربكت أعداءه، اقتحم زيد الكوفة بمن معه من الثائرين، حتى اقتربوا من المسجد الجامع المحبوس بداخله الآلاف من أهل الكوفة. وفي مشهدٍ سينمائي، أخذوا يصيحون بمن في المسجد يدعونهم إلى عصيان الحرس والخروج من ربقة الذل إلى عز الحرية والنصر، لكن معظمهم خشي الخروج، واستمرت الاشتباكات طوال اليوم بين زيد ومن معه من جهة، وبين حراس المسجد وجلُّهم من جيش الشام الأموي، قبل أن يخرج زيد بجيشه خارج الكوفة – بعد أن انضم إليه قلة من الناس – خوفًا من أن يُحاصره يوسف الثقفي بداخلها.
أرسل يوسف تجريدة إلى حيث عسكر زيد، فألحق بهم زيد هزيمةً جديدة، فأتبعها يوسف هذه المرة بجيشٍ أكبر، وفيه المئات من الرماة لمناهضة فرسان زيد الذين أرهقوا فرسانه. وبينما زيد بن علي يصول ويجول في الساحة، ويصرع جنود الجيش الأموي وفرسانه، إذ باغته سهمٌ، وأصابه في مقتلٍ، فما لبث أن فاضت روحه بعد قليل، فدفنه أصحابه، ثم تفرقوا في عتمة الليلِ إلى دُورهم ومناطقهم.
بلغت أنباء مصرع زيد يوسفَ الثقفي، فأمر بتفتيش بيوت الكوفة بحثًا عن المصابين، ودلَّه أحدهم على موضع دفن زيد، فأمر بإخراج جثته، وقطع الرأس وإرسالها إلى هشام بن عبد الملك، الذي علَّقها على باب دمشق، ثم أرسلها لتطوف بالحجاز حيث يقطن جُلُّ آل البيت، لكي يعتبروا بمصير زيد. أما أجساد زيد، وأخلص أصحابه، فأمر يوسف الثقفي بتعليقها في الكوفة، وظلت معلقةً سنين، إلى أن مات هشام عام 125هـ، فأمر خليفته الوليد بن يزيد بن عبد الملك بإنزالها وإحراقها.
جديرٌ بالذكر، أنه لم تمر على مصرع زيد سوى سنوات معدودات، حتى كانت دماء الأمويين وأنصارهم تسيل أنهارًا من خراسان إلى الكوفة إلى دمشق، على يد ثوار آخرين من أهل البيت، وهم العباسيون، والذين لم يقلوا قسوةً عن خصومهم الأمويين، فتجاوزوا في انتقامهم من سادة الأمس كُلَّ حد، ولكن لهذا قصة أخرى.
«زيدٌ الشهيد».. بين السنة والشيعة
تمثل ثورة ثائر آل البيت، زيد بن علي بن الحسين، نقطة تحول كبيرة في تاريخ الفرق الإسلامية، فهي اللحظة التي تبلورت فيها بعض المذاهب الإسلامية الكبرى. فتذكر روايات عديدة أن المقدَّمين من شيعة العراق عندما آن أوان الخروج مع زيد بن علي ضد الأمويين، امتحنوه في رأيه في أبي بكر وعمر، وهل يتبرأ منهما لأخذهما الخلافة بعد الرسول. وكعادته، صارحهم زيد بن علي بما يراه الحق، فذكر أنه يترضَّى على الشيخيْن، وأنه لم يسمعْ أحد من علماء أهل البيت ينتقص منهما، رغم اعتقاده بأن جده الأكبر علي بن أبي طالب كان الأحق بخلافة الرسول.
لم يُعجِب ذلك الموقف المنصف من زيد بن علي الكثير من زعماء الشيعة؛ فرفضوا الخروج معه، بينما ثبت معه من يحملون الرأي نفسه، فأصبح أنصار زيد بن علي هؤلاء نواة المذهب الشيعي الزيدي، الذي يقدِّم أهل البيت على من سواهم على سبيل التفضيل لا العصمة المطلقة، مع تأكيد الاحترام لسواهم ممن أقاموا العدل والدين كالشيخيْن: أبي بكرٍ وعمر.
مسلسل شيعي قصير عن مواجهة زيد بن علي الأمويين:
أما الشيعة الذين خالفوا زيدًا، ورفضوا مناصرته عندما رفض الانتقاص من أبي بكرٍ وعمر، والتبرؤ منهما لكونهما – بزعم هؤلاء – انتزعا الخلافة من علي بن أبي طالب، بغير وجه حق، فهم ممن عُرفوا تاريخيًّا بالشيعة الرافضة أو الروافض، وهم الذين تبلور مذهبهم بمرور القرون ليصبح المذهب الشيعي الإثنى عشري الذي يدين به الآن جُل الشيعة في العالم، وإن كان بعض أئمة الشيعة المعاصرين يتبرؤون من سب الصحابة، رغم تأكيدهم عصمة أئمة آل البيت، علي بن أبي طالب و11 إمامًا من ذريته، وأن حقهم في الولاية كان ركنًا من أركان الدين قصَّر في تطبيقه معظم الصحابة، وعلى رأسهم الشيخان.
أما أهل السنة، فرغم الاحترام العام لأهل البيت من التيار الرئيسي لهم، واعتبارهم زيدًا بن علي كجده الحسين، شهيدًا خرج لنصرة الحق، فإن بعضهم يحاولون الجمع بين المتناقضات جمعًا متعسفًا في أحيانٍ كُثُر، ومخالفة الشيعة بامتداح معظم الخلفاء الأمويين – رغم مظالمهم التي لا ينكرونها، والتي كشفها عصر الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز – ومنهم هشام بن عبد الملك الذي قتلت جيوشه زيدًا بن علي، وذلك استنادًا لقوة هؤلاء الحكام، واستمرار الغزوات الخارجية لجيوشها تحت راية الفتوحات الإسلامية.
ولذا، وفي محاولة لدفع الحرج والخروج، نجد مؤرخي السنة يركزون في سرد قصة خروج زيد بن علي ومقتله، على خيانة الكثيرين من أهل الكوفة لزيد بن علي بعد أن أغروه بالخروج. ولكن يبقى السؤال الملح كيف يمكن إدانة من قتلوا زيدًا بالتقصير، دون التشدد في إدانه من قتلوه فعلًا بالأمر وبالسيف، وقبل ذلك بالمظالم التي دفعته والمخلصين لحمل السيف كحلٍّ أخير لردها؟!
ويتصل بتلك القضية الموقف العام الذي يميل إلى رفض الثورات بين أهل السنة، بعدِّها فتنة يغلب شرها نفعَها. ولعل هذا الموقف مسؤول عن قدرٍ كبير من التذبذب في مواقف أهل السنة تجاه المظالم التي تعرَّض لها أهل البيت من الحكام الأمويين والعباسيين، لا سيَّما من قرر منهم مقارعة هؤلاء الحكام باللسان والسيف، وليس بالقلب وبالنصيحة الوادعة.